الحكمة في ارض البرونز بقلم د.رحاب سليمان
المحتويات
التفاصيــل وأدركــت فيمــا بعــد أن أبــى كان يعدنى ويجذبنى لهــذا الطريق،دون
أن أدرى،كان أبــى يصمــم لــى بيوتــا خشــبية صغيــرة فى حديقــة القصر،وكنا
نجلــس ســويا ً ونقــوم ببنــاء هــذه البيــوت الجميلــة،وهــذا مــا جعلنــى أحــب
هــذا المجــال،وأســتمر بــه،وبعــد انتهائــى مــن التعليــم الجامعــى واســتكملت
حيــن كان يقــول لــى(:اعلــم جيــدا ً انــك اذا تعلمــت شــيئًا،ثــق بأنــك تجهــل
أضعافــه)،تلــك النصائــح جعلتنــى شــغوف بطلــب العلــم،ومجتهــد بدراســتى،
كنــت مــن الطلبــة المميزيــن فــى الجامعــة،وكان يَعلــم أســاتذتى إن والدى كان
الكبــرى،وبالرغــم مــن افتقــادى لوالــدى،إال اننــى أرى والدى فــى تصميماتى
التــى أقــوم بهــا،فــكل مــن يــرى تصميماتــى يُشــبهنى بأبــى،أعطــى لعملــى
االهتمــام األول فــى حياتــى،فــا أملــك أى اهتمــام غيــره،هــو الشــىء الوحيــد
حزنــى كــم الشــائعات التــى تطاردنــى يومي ـًا،وتذكــرت لمــاذا كانــت عائلتــى
تحــرص كل الحــرص علــى ابعــادى عــن عالــم الشــهرة،وكانــوا يتجنبــون
اللقــاءات الصحفيــة
اصبحــت فــى الصفحــات االولــى مــن الجرائد،كل يــوم أقرأ عــن عالقتى بفنانة
بالطبــع كل هــذه االرتباطــات وهميــة،وكلهــا مغامــرات جديــدة،لــم أقــم بهــا،
كلهــا أخباركاذبــة ال تمــت الــى الواقــع بصلة،هذا نهيـا ً عن االفتــراءات التافهة
التــى تنهــش مــن ســمعتى،ويقــوم المحامــى الخــاص بــى
بالتعامــل مــع هــذه األكاذيــب بطــرق قانونيــة،وكان ذلــك يشــعل نيــران الحقــد
والغــل بداخــل هــؤالء الصحفيــون،ال أدرى كيــف يمكــن ايقــاف هــذا الهــراء
المتعمــد لتشــويه صورتى.
بعــد وفــاة جــدى حــاول الكثيــر مــن االشــخاص التقــرب منــى،بدعــوى أنهــم
علــى بعــض المزايــا فــى العمــل،وبالطبــع لــم أظهــر لهــم أى تعاطــف أو
رحمــة،وذلــك ألن جــدى كان يعاملهــم بحــزم ويصفهــم بالمتملقــون،وكان
دائمـا ً ينصحنــى جــدى ويقــول:إن رجــل األعمــال الناجــح يجــب أن ال يعطــي
الفرصــة لمــن يعملــون بنظــام الواســطة والمحســوبية،فهــؤالء هــم الخطــر
األكبــر،وال يجــب أن ننصــاع لهــم،وكان جــدى يشــبههم بالحاشــية الفاســدة،
وكان يقــول ايضـًا،ان العمــل فــى امبراطوريتنــا وشــركاتنا ال يفســح المجــال
اال للمجتهديــن والذيــن يولــون للعمــل اإلهتمــام االكبــر وهــذا هــو ســر تميزنا
ونجاحنــا فــى أعمالنــا.
لذا اكتسبت من جدى صفة الحزم،وتعاملت من حولى بتلك الجدية.
أمــا بخصــوص االرتبــاط،فأنــا كنــت أرفــض االرتبــاط نهائيـا ً الننــى ال أرى
أى إمــرأة تســتحق أن تنــال هــذا الشــرف،وكنــت أرى أن أمــى هــى المــرأة
الوحيــدة التــى تتجســد فيهــا الصــورة المالئكيــة للمــرأة،والزوجــة واألم
الصالحــة،أمــا غيــر ذلــك فكلهــن كمــا يقــال( باحثــات عــن الثــراء )،ال أولــى
ثقتــى ألحــد،كل النســاء فــى نظــرى ســاعيات للشــهرة والمــال،لــذا أنــا
أمقتهــم بــل يثيــرون إشــمئزازى ..
امــا عــن برنامجــى اليومــى،فإننــى اســتيقظ فــى تمــام الســاعة الخامســة
صباحــًا،
أقــوم ببعــض التماريــن الرياضيــة،يليهــا االســتحمام،ثــم أتنــاول فطــورى
الــذى اعتــدت علــى تناولــه منــذ صغــرى،والــذى كانــت تعــده أمــى لــى،
أتنــاول فــى الصبــاح عصيــر البرتقــال،وشــرائح مــن الجبــن الشــيدر،وفطائر
البانكيــك الفرنســية التــى تعدهــا فاتــن مدبــرة المنــزل،مــع القهــوة الفرنســية،
ثــم أســتعد للذهــاب الــى شــركتى مــع الســائق الخــاص بــى عــم فــاروق،الــذى
كان والــدى يعاملــة معاملــة الصديــق،بــل كان يعتبــره صديــق مقــرب،وكان
يحافــظ علــى أســرار أبــى،وكنــت دائم ـا ً أراهــم يتجاذبــون أطــراف الحديــث
وكان يثــق فيــه كثيــرًا،وكان جــدى ايضـا ً يحترمــه ويحبــه،لــذا اعاملــه كأحــد
افــراد العائلــة،وآخــذ بمشــورته فــى الكثيــر مــن األحيــان.
أصــل الــى الشــركة فــى تمــام الســاعة الثامنــة صباح ـًا،تقــوم ســكرتيرتى
بتذكيــرى بمواعيــدى ومقابالتــى اليوميــة،وتقــوم بجدولــة هــذه المواعيــد
كمــا أخبرهــا،ثــم أبــدأ فــى مداومــة عملــى الروتينــى،كل يــوم يشــبه اآلخــر،ال
أصمــم ســوى التصميمــات الكبــرى،وباقــى العمــل يقــوم بــه المصمميــن داخل
الشــركة،الذيــن اختارهــم والــدى بعناية،ويشــهد لهــم بالكفاءة،وهذا ســرمن
أســرار تميزشــركتى،فأنــا أعتبــر مــن كبــار المشــاهير فــى عالــم التصميــم
الهندســى بالرغــم مــن حداثــة ســنى وهــذا ورثتــه عــن والــدى،مــا ال يعلمــه
هــؤالء الصحفيــون عنــى،انــه مــن بالرغــم مــن كل هــذا النجــاح والتميــز
فــى العمــل،ونجاحــى هــذا،اال أننــى ينتابنــى شــعور بالفتــور،وأصبــح الملــل
والوحــدة رفقائــى.
هــذا باالضافــة الــى حياتــى البــاردة،التــى تفتقــد الــى الحماســة والــدفء،
حيــاة تكســوها الوحــدة،وليــس كمــا يعتقــد البعــض،اننــى وريــث لثــروة
هائلــة،
واســتمتع بحياتــى طــوال الوقــت ال يعلمــون اننــى افتقــد عائلتــى واننــى ال
اثــق فــى أحــد،اصبحــت فــى عزلــة بمعنــى الكلمــة،هــؤالء بالفعــل يحكمــون
بظواهــر األمــور ال بباطنهــا،لــذا اتجاهلهــم وأمقتهــم،وأمقــت الحديــث
والثرثــرة معهــم،أؤمــن بضــرورة احتــرام الخصوصيــة،وال أتهــاون أبدا ً مع
كل مــن يفتقــد الــى الضميــر ســواء فــى العمــل،أو الصحفييــن الذيــن يطلقــون
الشــائعات،لــم أؤمــن يوم ـا ً بوجــود مــا يســمى الحــب والعاطفــة،بالرغــم
مــن اننــى رأيــت هــذا الحــب يمــأ حياتــى،فــى حيــاة أمــى وأبــى،كــم كان
حبهــم لبعضهــم البعــض مثــاالً يحتــذى بــه،أثــق فــى القليــل مــن األشــخاص
فقــط،هــم مــن كان أبــى وجــدى يثقــون بهــم،دائمــا أتعامــل مــع مــن حولــى
بمســافة كبيــرة عــدا صديقــى حســين،الــذى نشــأت بيننــا صداقــة رائعــة،
لــم يتركنــى بعــد وفــاة جــدى،يتــرك كل شــىء،ويأتى الــى حيــن أحتاجــه هــو
بالفعــل الصديــق الصــدوق،هــذه هــى طبيعــة حياتــى التــى كنــت أعيشــها،
قبــل التحــول الكبيــر الــذى غيــر كل شــىء بحياتــى.
ممر أرض الربونز
متابعة القراءة